وريقاتي

Powered By Blogger

13 يونيو 2014

كفى تصنيفًا!

أكاد أجزم أنه لا يمكن لأحد في هذه الأيام أن يتحدث عن الرئيس المصري السابق مرسي بأي خير إلا يُقال عنه إنه "إخوانيّ"، مهما كان الذي يقال منصفًا. ولا يمكن لأحد أن يمرر مقولة للحلّاج إلا نُظر إليه بشزر، هذا إن لم يتهم بالزندقة والمروق من الدين. الحال هو هو إنْ نقل شيء عن ابن سينا أو ابن رشد أو ريتشارد دوكنز!
نحن نعاني، فعلًا، من مرض عُضالٍ، يصعب الاعتراف به قبل تشخيصه وعلاجه، إنه مرض "التصنيف". فترى أحدنا إذا كلمتَه عن مهارات لاعب في نادٍ معين فإنه يهرع ليقرر أنك مشجع متعصب للنادي الذي يلعب فيه هذا اللاعب، بينما أنت، المسكين، ليس كما يقول، كلّ ما في الأمر أنك تحاول إنصاف اللاعب.
ليت الأمر توقف على تصنيفك كرويًّا؛ ففي علاقة المرء بربّه يتدخل حماة الدين، أو منْ نصّب نفسه لهذا المنصب ورأى أنّ طبيعة العلاقة بربّه هي الأجدى والأقرب والأنفع، وما يعتنقه الآخرون لا يعدو أنْ يكون محض هرطقات وسفسفات. بل يُمارس الإرهاب الفكري ضد منْ يأتي بمقولة صوفية لزرادشت أو كونفوشيوس، بل حتى للسيد المسيح؛ فيتَّهم، ضمنًا أو علنًا، بأنه مشايعٌ لهذا الذي أخذ منه المقولة، وأنه لم "يتبرّأ" منه بل "والاه"!
هذا المرض، على ما يبدو، تأصّل داخل الفكر الجمعي لمجتمعاتنا – فإنه لا يمكن الاحتجاج برأي إمام مثل القاضي عبدالجبار في مجلس يمتلئ بالسلفيين الذي يرون في عبدالجبار امرأ "معتزليًّا"، وأيّ تهمةٍ أنْ تكون كذلك؟! على الرغم من أن المعتزلة يحاولون عقلنة المسائل الدينية لجعلها أكثر قبولًا بالنسبة للعقول.
المشكل الأكبر في هذا المرض أنه يستتبع أمراضًا أخرى معه؛ فمن الصدّ عن "المبتدع" [ويا لهذه الكلمة من مطاطيتها] وترك السماع عنه إلى سحب الكتب من الأسواق ومنع تداولها – يمكنك إمتاع ناظريك بهذا المشهد المقزز الذي يعكس ضعفًا في شخصية الداعي إلى إقصاء المخالف وإصدار أحكام قضائية ضده؛ فهو لا يملك دحض الأفكار ولا نقدها لذلك يلجأ إلى ليّ النصوص الشرعية للتأثير على أصحاب النفوذ لجعل إقصاء المخالف مصبوغًا بصبغة رسمية. ويا للعجب، فالقائمون على السلطة التنفيذية يخضعون للذين يسوسون الرأي العام نحوَ الجمود والوقوف حيث هم واقفون، إنْ لم يرجعوا بهم للخلف!

قالتْ بدرية البشر ذات مرة إنّ الحضارة العلمية في الأندلس لم يكتب لها رؤية النور لولا قبولُ الاختلاف، وعدم إعطاء "التصنيف" أهمية كبرى! لا أدعو هنا إلى التسليم بكل الأفكار التي تقال، لأنه يجب وجوبًا قاطعًا ضمان تعبير المرء عن أفكاره واحترامها مهما كانت، ومن احترام الأفكار نقدها؛ فسلاح النقد مهم للتقدم، ومن باب أولى نقد السلاح أيضًا!