وريقاتي

Powered By Blogger

28 أغسطس 2015

كائنات العٓلْق.. (٢)

نحن كائنات تعلق بكل شيء يمكنها أن تعلق به. وإذا تمكنت، فإنها تلعق كذلك. نمد أدوات عَلْقِنا (أو لَعْقنا) على أي شيء تطاله أيدينا (وفيه)، غيرَ آبهين بمصفوفة الاحتمالات التي تولّفها تلك الأشياء من حولنا. متناسين كينونتها. الأدهى من ذلك، أننا لسنا متناسين تماما، لقد نسينا هذا الأمر فعلا. التناسي رهين الوعي، النسيان وَليدُ العادة واللاوعي. نحن عالةٌ على الكون، ممتصّون لهذا الوجود. تصالحنا مع طبيعتنا تلك بميثاق مكبوت. التصالح تتازلٌ مشروط عن الأنا.

ضجيج لعقنا لِمَا حولَنا لا نتبيّنه. مشغولون باللعْق، وكلّ مشغولٍ لا يُشغَل. اللعْق حالةٌ من التماهي مع الملعوق، محاولةٌ للتوحّد به، والتماثل معه. لا نصغي للمعْلوق به (الملْعوق)؛ الإصغاء اعترافٌ بوجودِ المُصغى إليه. الاعتراف ترَفٌ لا يليق بنا. يعْلق رجلُنا بأنثى، نعلن هذا العَلْق/الزواج. يعْلق رجلٌ برجل، نلعن هذا العَلْق/الشذوذ. العادة تحدد علائقنا المُباركة، والأخرى المطرودة. وكله عَلْق. أحيانًا، تحدث زحمةٌ عَلْقيةٌ على ملْعوقٍ ما. صراع العلْق يورث حروبا كلامية، وأخرى افتراضية (ومنها ما كان سريريا). تطير شتيمةٌ من فم عالِقٍ بأحمد بخيت وهو يُلقي قصيدته "رام الله"، لتُصيبَ ذاك العالِق الآخر الذي يردد بلكنةٍ مصرية "حِلْو ياحْمد.. حِلْو".

أكثر أشكال عَلْقنا إثارةً للشفقة، تلك التي تدفع بـ"الدنجوان" لأنْ يفرز لُعابا وهميا لِما يلعقه (أو يظن أنه يفعل ذلك)، يُسمّي إفرازاته الوهمية حُبًا. يمرّن هذا الـ"دنجوان" قائمتيه جيدًا كي يتمكن من العَلْق جيدًا، والقفز عاليا تجاه أي كائن يلتحف خرقة سوداء. يلتزم الـ"دنجوان" بتمارينه أكثر من التزام سارتر نفسه. سارتر، هو الآخر، مريضٌ عَلْقًا بالوجود.