وريقاتي

Powered By Blogger

29 يناير 2016

الحرية المسروقة

"أنا رجل (هكذا يفترض) عشريني ممتلئ قيحا، استنفد كل فضيلة ممكنة في سنواته الثلاث ما قبل الجامعة. الحقيقة أنها أبغض السنوات على الإطلاق رغم أنها (كما يقول) وضعت إحدى قدمي في نعشي، فيما تكفلت سنوات الجامعة بوضع القدم الأخرى فيه. أقصد بالنعش حياتي التي اكتشفت أنها لم يعد فيها ما يمكن أن يكون جديدا. النعش وطن ترَفيّ غير متوفر فوق كوكب الأرض، لعل تحتها واحد، لا يشترط فيه النزوع إلى الكمال، يكفي الوجود. لقد تلكأت غير مرة قبل أن أقرر إن كانت بغيظة فعلا، إلا أني استقر بي القرار إلى البغض بحجة أنها كرة حديدية من تلك التي رأيتها في صغري مربوطة إلى أقدام المسجونين في الأفلام الكرتونية. إني متورط بها، إنها تعيق تحركي. تهدد هويتي. أخشى إن ذهبت إلى الحداد وتخلص منها أنْ يخطئ الحداد فيبتر قدمي لأبقى طوال حياتي بلا قدم. كم اعترفت لنفسي أن ذلك لا يعدو كونه وسوسة أوهام المجتمع، وأن علي التفرد واتخاذ سبيلي دونه. كم رددت أن على الناس أن يتخلصوا من العلاقات التي أوهموا أنفسهم باحتياجهم لها. هي علاقات مدارها حول فلك الحفاظ على امتداد النوع البشري ومكافحة الفناء. لكن ماذا إذا انفرط عقد الفلك وتداعت أجرامه على صفحة الوجود؟ حينها لن يكون ثمة دافع أو معنى من هذه العلاقات، حينها فقط سيكون المرء حرًا في اختياراته، متحررا من عقد الذنب عندما يحدق في صدر عشرينية يفور منها الشبق، غير مكترث لرأي من يكشفه وهو يأخذ قياسات مؤخرة امرأة أخرى تبث منحوتات الله أمام عينيه، قادرا على استيقافها وإخبارها بمدى فتنتها وإعجابه بها (مع تأكيده على عدم علاقة ذلك بالحب من قريب أو بعيد). حرا بتمكنه من تعريتها انتقاما من رجولته المستفزة، ومضاجعتها افتراضيا. حرا كي يتمكن من رفع أوسط أصابعه في وجه كل سخافة يراها في الشارع. تلك الكرة الحديدية خفّت في سنته الجامعية الثانية عندما بدأ اكتشاف شيئه وسوائله، خفت أكثر بمراقبته لعود السيجار المشتعل دون أن يسحب منه نفس واحد، وأكثر عندما غزا الدخان رئته الوردية ثم نام بلا مشاكل، وأكثر كثيرا عندما أدار الكأس بيده قبل أن تلسعه لذعته. (قال لي مرة:) ماذا سيبقى لي لو تحققت أحلامي تلك سوى ألا يبقى لي شيء فوق الكوكب؟ يريد ألا يكون عليه واجب تجاه أحد (على افتراض أنه حر تماما)، ولا ينتظر منه أحد شيئا. وفي المحصلة: أنا حي بحياة أحلامي، وأبقى ثابتا بثقل كرة الحديد هذه (ويشير بأصبعه إلى واحدة افتراضية)"

هكذا يُشعرني صديقي بالضجر منه؛ فطبلة أذني -كباقي طبلات آذان البشر- من حقها ألا تسمع الهراء.

ملاحظة/ ما بين القوسين زيادة مني.