وريقاتي

Powered By Blogger

2 أكتوبر 2015

بصقةٌ تجاه القِبلة

عندما عاد إلى سيارته، اكتشف أنه تركها مفتوحة بعد نزوله القصير إلى المسجد. "على العموم، لن يريد أحد سرقة خردة". كان أشجع قرار اتخذه تلك الليلة أن يتوقف حالا عما كان يفكر بإعادة النظر فيه.
"اللعنة على كل ما فكّر العالم به يومًا، هل كان يظن أنه سيخفف من حيوانيته ويرتقي سلم الإنسانية؟ هل هناك سلم أصلا؟ هناك فقط وديان ذوات صخور مدببة".
***
بدا له منظر المدينة وهي مغمورة بأفيون الشعوب، مثلَ سمكية سطحية؛ لا هي تقدر على احتمال ضغوط العمق، ولا تستطيع التخلص من ربقة الماء، وتعلم جيّدا أنها صيدة سهلة كذلك.
اعتاد أن يُسلّي نفسه المتشظية أثناء نزواته بالتجوّل كيفما اتفق في المدينة. رأي مسجدا فقال مُحدّثا نفسه "الملاعين، يعبثون بأموال الدولة في كذبة عمرها ألفا سنة على الأقل!"، وفي الأثناء اشتمّ رائحة خبيثة لم يعرف مصدرها، لكنه تذكر مقولة صديقٍ له "بعض الأفكار مُنتنة لدرجة أنك تشمّ لها رائحة حقيقية".
تذكّر وصية صديق آخر، التائه هو الآخر، حينما قال له: "أنت الآن لستَ متأكدا من أي شيء". فكّر في أنه قد يكون مخطئا في عبارته الأخيرة، ويكون هو "الملعون" حقا لا هم.
اختار وقتا تكون فيه المساجد خالية، بين المغرب والعشاء، ليُبقي على خط عودة قائما في حال تبيّن له وهمُه في وقت لاحق.
***
مُطَأطَأ الرأس دخل حوش المسجد وكأنه يعتذر لله على فعل، وسيفعل. حرص على تقديم رِجله اليمنى منذ أن نزل من السيارة، لكنه لم يقدر حجم الخطوات اللازم لكي يضمن له ذلك. وجد رِجله اليسرى تتقدم العتبة. "لا بأس، الله لا يحفل كثيرا لهذا الأمر". ومضى نحو المواضئ.
توقف أمام إحدى الحنفيات، وأخذ يجسّ مثانته. قدّر أنها ممتلئة، وربما ستُضايقه في صلاته، فتوجّه نحو الحمّامات. اختار حمّاما إفرنجيا؛ فهو يضمن لك انحاءة أقل من الحمّام العربي. بينما جهاز الإخراج يعمل بكفاءة، جلس يُراجع كيفية الصلاة، عدد الركعات، ما الذي سيقرؤه. حسنًا، هو لا زال يتذكّر كل شيء، ومستعد للمواجهة.
نهض بعد أن نظّف نفسَه، واستدار ليضغط على السيفون، لكنه لا يستجيب كما ينبغي. "اللعنة، أصلِحوا حمّاماتكم!". رفع غطاء وعاء الماء السيراميك ليضغط بإصبعه مباشرة؛ لعل القطعة الخارجية فقط هي المشكلة. انتبه لشيءٍ ما غريب يتدلّى من طرف الغطاء، لكن انشغال فكره بالمواجهة كان أكبر من أن يعطيه الفرصة كي يفكر في أي شيء آخر، لذلك كان يعمل بآلية.
رفع الغطاء فانبعثت رطوبة في أنفه، سببها ملابس داخلية تشرّبتها دماء خطيئة.
ما عاد يهمه تصريف ما تبرّزه بقدر ما تصوّر شبق المُخطئين، لذة الفاعل، وألم المفعول. انتشاء الفاعل، وربما المفعول. وأين؟ حمّام مسجد!
***
أعاد الغطاء إلى مكانه، وصفق باب الحمّام وراءه، وبصق تجاه القِبلة، عائدا إلى سيارته.