وريقاتي

Powered By Blogger

29 ديسمبر 2015

المستمع/المغني

كان لذلك المقطع الغنائي الذي أرسله لي ذات صباح الصديق العزيز جدًا سليمان الحراصي - وقع سحري لا يزال أثيره يخيّم عليّ كل يوم، وكل ليلة. ولاء الجندي، اللبنانية الشابة التي شاركت في برنامج "أحلى صوت" (النسخة العربية من The Voice)، غنّت أبيات أحمد شوقي الشهيرة "مضناك جفاه مرقده" ملحنةً بألحان العظيم محمد عبدالوهاب.

ساءلت نفسي: لماذا كلما أستمع لهذا المقطع بالذات أشعر أني أسمعه لأول مرة؟ لماذا في كل مرة تتملكني هذه الكلمات؟ لماذا لا تفقد هذه الأغنية بريقها في داخلي؟ لماذا الأغنيات الأخرى تتضاءل دهشتها في كل مرة؟ لماذا غيري لا يشعر بما أشعر به نحو هذا المقطع بالذات؟ لماذا للأغنيات وقع مختلف عند كل متلقٍ؟

دفعتني هذه السؤالات لأنْ أستمع لكل المقاطع الموجودة في يوتيوب لمُغنّين غنّوا الكلمات ذاتها؛ بدءًا بمحمد عبدالوهاب نفسه، أنغام، محمد حسين، رشيد غلام، أحمد جمال، عبدالله الرويشد، ساندرا حاج، وليس انتهاءً بحسين الجسمي. هدفت في كل مقطع استمعت له أن أختبر الدهشة، الشعور الغريب الذي لا يتضاءل مع أداء ولاء الجندي. وعلى الرغم من أن هذا الفعل الذي لم أخطط له مسبقًا، بل أتى هكذا كيفما اتفق، على الرغم من أنه أخذ مني حوالي الساعتين لكنني كنت مُستَفزًّا (ولعله قلق الوعي بجهل آلية عمل شعورٍ ما)، لذلك لم أترك الأمر يمضي وحسب.

توقفت في النهاية لأقول لنفسي: هناك ما يمتاز به أداء ولاء الجندي عن باقي المغنين - إنه تماثلي مع الأداء، وفنائي مع ذلك الصوت في عالم المضنى الذي خلقته قصيدة شوقي. نعم لعبدالوهاب الفضل الأكبر في التلحين، لكن يبقى لأداء ولاء الجندي فضلُ المحافظة على الدهشة لديّ. أعني بالتماثل مع الأداء هو استجابة المُغنّي للحن المستمع؛ إذ يغدو هو المغني والملحّن (تماما كفكرة رولان بارت في أن القارئ يصبح كاتب النص). وكلما استطاع المغني أن يواكب اللحن والأداء عند المتلقي فإن الأخير يشعر بالدهشة (ولعل هذا راجع لتحقق الذات لديه من حيث إنه يريد أن يكون ملحن ومغني هذه الأغنية، فعندما يستجيب له المغني بأنْ يغني كما يريد هو فكأنه يقلده، وبذلك يعطيه إذن الغناء!). بدليل أني صرت أتحيّن وصول المغني للبيت "بيني في الحب وبينك ما لا يقدر واشٍ يفسده" لكي أتحقق من أدائه له جيدا كما أريد أنا! (وقد اقترب الرويشد جدًا من أداء ولاء لكنه لم يماثلني/يماثلها)

محمد عبدالوهاب:
https://youtu.be/kMf0e7r4ETc
ولاء الجندي:
https://youtu.be/fGaMMHPkjPg
عبدالله الرويشد؛
https://youtu.be/vlAi2HzJjo8