وريقاتي

Powered By Blogger

2 أبريل 2016

في أن تلتقي سليمان الحراصي

بم كان يفكر ذلك الفتى، الذي ولدته الجبال في فجر خريفي في خصب، عندما صادف أن يكون في مصفوفة أصدقائه رجلٌ لم تلده الجبال في فجر خريفي في تلك القرية التي تلعب دور المختبئ في جلباب الحجارة. ما الذي كان يدور في خلد صاحب الشارب الطارّ حديثا، واللحية التي اكتشف العالم لاحقا أنها لن تدوم طويلا، كحال بقية الأشياء في حياته.

إن هذا الرجل يُبدي أُلفةً جذّابة، بابتسامته الفاتنة التي أغوت ما يقرب من نصف إناث كلية الآداب، ونيّف من بقية كليات الجامعة اللواتي اصطدمن به في فعالية أو أكثر. ابتسامته الخَجلى تشعر أنها تستقر عند خاصرتك، لا ترتفع حتى إلى وجهك حياءً. طريقته في المصافحة تختلف؛ فكلما كنت قريبا زاد ضغطه تعبيرا عن حرارة العاطفة. حديثه مع أي شخص يأخذ مسارا واحدا في كل مرة؛ في كل مرة يكون الآخر هو محور اللقاء. هو -لغايةٍ في نفسه- يجعلك تشعر بأنك متفرّد، ومختلف عن الآخرين. شخصيته هذه، جعلت الفتى، وأجزم أن غيره كثيرون، يبوح أمامه بأخص الدقائق في حياته. وبينما يكون في حالةٍ كهذه، يشعر بشيء غير مفهوم: لا هو شعور التعرّي أمام أحدهم، ولا هو شعور الارتياح من البوح. ميزته هذه جعلته غامضا على الرغم من ظن الكثيرين أنهم يعرفونه جيدا. الفتى نفسه ليس متأكدا من أنه يعرفه جيدا. ما الذي كان يبصره هذا الفتى عندما رأى ذاك الرجل؟ إنه لا يدري كيف عرفه. لقد كان ذلك فحسب. وبعدما حدث التعارف، لم يعد ذلك الفتى السلفي سلفيا، ولم يعد يبصر فحسب؛ فقد بدأ بأنْ يرى. عندما يتأكد ذلك الرجل من صفاء سريرتك (مع أنه لا مشكلة لديه في أن تكون ديوثا طالما أنه لا يطلق عليك "صديقي") فإنه سيؤوّل كل فعل يبدر منك، مهما كان خليعا، تأويلا يجعل منك ملاكا، وفي أسوأ الأحوال: هي نزوة عابرة. لم يشكل إلحاد الفتى فارقا كبيرا في محبته له، كما لم تفعل سلفيته السابقة ذلك؛ فبقي صديقا، و ظِلًا صادقا. لم تبدر منه نأمةٌ إزاء تركه للصلاة، مع محافظته الشديدة على أدائها في وقتها. لقد كان نعم الخِلّ عندما ارتمى الفتى في حضن أم الخبائث بحثا عن حبه الذي تتقاذفه الريح، ولم يجده. لقد أهدى ذاك الرجل ذلك الفتى عطر "أندلس" التي توقفت شركة أمواج عن صناعته. إن الفتى يحب أن يعطّر أباه به ويقول إنه هدية ذلك الرجل النادر. إن الفتى يشعر بالارتياح بالقرب من هذا الرجل، ولا يحتاج الكلمات لتُفهَم حالُه.

ها قد عاد الفتى إلى جباله في الشمال، ولا زال ذلك الرجل عالقا في شوارع مسقط، يقطعها من الخوض حتى الغبرة صباحا، ومن الغبرة إلى الخوض عصرا. لكن دون أن يكون في انتظاره فتًى يعاقر الكرك صباح مساء. الحق أنه أصبح لا يقارعها صباح مساء. إنه، حاليا، يكتفي بواحد ليومٍ أو أكثر.